مرحباً؛
بدايةً؛ إسمحوا لي أن ارحب بجميع الأحبة أعضاءً وقراءً.
"
لماذا ننقد؟"؛ سؤالٌ أوجه إجابتي عليه لكل من يريدُ أن يفهم حقاً ويستوعب فعلاً ما الذي نريده من حالة "النقد" المستمرة والمتواصلة في كل أطروحاتنا وجل أفكارنا.
أقول؛
ننقدُ لأننا – وفي رأيي المتواضع – نعيش مأزقاً تاريخياً وثقافياً وحضارياً يهددُ وجودنا الجماعي وحقيقة حضورنا الجمعي وذلك على المستويين الداخلي والخارجي؛ وكذلك المحلي والإقليمي والعالمي على حد سواء.
ننقدُ لأننا على مفترق طرق. إما أن نكون أو لا نكون؟!
ننقدُ لأن أرضنا لا زالت محتلة رغم الوعود بالتحرير ورغم أحلام النهضة العتيقة.
ننقدُ لأن شعبنا لا يزالُ أسير الأمية وصريعُ الفقر وسجينُ القهر السياسي ولإقتصادي والثقافي.
ننقدُ لأن إنساننا ما يزالُ يرزحُ تحت وطأة عجلة التنمية البطيئة والثقيلة والمملة.
ننقدُ لأننا نريدُ فجراً جديداً لنا ولأبنائنا ولأمتنا.
ننقدُ لأن الآخر يحلقُ عالياً بعيداً عنا وقد تجاوز كل ما هو "متخلفٌ" و"متأخرٌ" و "متصدعٌ".
ننقدُ لأننا نحنُ من ورث التركة الثقيلة من إخفاقات وإشكالات ومشكلات.
ننقدُ لأننا من حمل هم التنوير والتثقيف والتساؤل في زمنٍ لا يرحم.
ننقدُ لأننا شبابٌ أدرك دورهُ في هذه الحياة؛ ألا وهو أن نضيء الطريق ونحمل المشاعل ومن جديد.
ننقدُ لأنه قد آن الأوان "للتغيير" ولأنه قد حانت لحظة المواجهة التاريخية مع ذاتنا وتاريخنا وواقعنا؛ رغم مرارة هذا الواقع وضبابية هذا التاريخ وغوغائية هذه الذات.
ننقدُ لأننا في النهاية أصحاب الشأن وحملة هذا الهم؛ وأنه بدون مبادرة ذاتية لن نستطيع أن نتقدم أو نتطور أو نحقق هذا التغيير المنشود.
(2)
تجربتان في تاريخ العالم الحديث جديرتان بالمتابعة والمذاكرة.
"التجربة الأولى – اليابان"؛
كلنا يعلمُ حقيقةٌ مفادها أن هذا الشعب العظيم قد دفع ثمناً فادحاً بأن أصبح أول شعب يقصفُ "بقنبلة ذرية" في تاريخ البشرية على الإطلاق...
شعبٌ انتفضت كرامتُه من عمق الإباء التاريخي؛ شعبٌ ركعَ كما لم يركع أي شعب آخر للهزيمة والقتل والدمار الجماعي والحضاري.
ومع ذلك؛ وفي أقل من خمسين عاماً؛ عاد كما لم يعد من قبل!
صناعياً وتقنياً وحضارياً ...
رغم عبادته للأصنام ...
ورغم ارتفاع معدلات الإنتحار ...
ذلك أنه أبى الإندحار ورفض الإندثار!
"التجربةُ الثانية – ألمانيا"؛
ألمانيا؛ ذلك الشعبُ الجرماني العريق ومن تسببت قيادتهُ النازية في إشعال الحريق!
حريقٌ لم تخمد نيرانه إلا في عام 1989م عندما سقطت آخر الأسوار وتوحدت إرادة الشعب المغوار وعادت ألمانيا موحدة وقوية، بل وألهمت أوروبا بأسرها كيف أن الوحدة حلمٌ واقعيٌ قابلٌ للتحقيق وعلى أرض الواقع.
ألمانيا بلدٌ احترق بنيران الحرب؛ وغشيته قوات الحلفاء، وعاثت فيه القوات الأمريكية تحكماً وهيمنةً وقواعد عسكرية لا تزال حاضرةً وقائمةً على أرض الجرمان الأباة.
وبعد أقل من خمسين عاماً تعودُ ألمانيا هتلر العنصري؛ ديمقراطية وتعددية وبألوان الطيف اللؤلؤية...
تعودُ بأفخر ما قدمته محركاتها الجبارة وهندساتها الجرارة...
تعودُ ألمانيا رغم تاريخها الأسود؛ بيضاء ناصعة وبهامة لا تنحني!
(3)
أما نحنُ؛
فحدث ولا حرج!
كيف استطاع أولئك القوم من يابانيين وألمان أن يعيدوا كتابة تاريخهم؛ في الوقت الذي لا نزال فيه مختلفين على قراءة تاريخنا فضلاً عن إعادة كتابته؟!
كيف تمكن أولئك القوم من تجاوز جراحاتهم وترميم هزائمهم وإعادة بناء عزيمتهم؛ في الوقت الذي نحن نجترُ فيه الهزائم ونبكي فيه العمائم ونعيد ذكرى جراحات لم تندمل ونبكي تاريخاً في وجداننا حاضر ولم يزل؟
مالذي يجعلُ "خير أمة أخرجت للناس" غير قابلة للنمو؛ وكأن الزمن والتاريخ قد توقفا عندنا ومضى بغيرنا؟
كيف نستطيعُ أن نتجاوز ذاتنا ونتفوق على أنفسنا وأن نغسل ما قد مضى؟
أم كيف لنا أن نكون في عالمٍ متلاطم الأمواج؟
أم كيف نعيد البسمة والسرور والإبتهاج لوجه إنساننا المسكين والأمي والمحتاج؟
(4)
لكل سؤالٍ جواب ...
ولكل جوابٍ شرط ...
وشرطه أن نبدأ بالنقد.
وأولُ ما ننقدُ هو ذاتنا وحقيقتنا.
فمن لا يعرفُ نفسه لا يعرفُ غيره ...
ومن لا يقوى على مواجهة ذاته فلن يقوى على مواجهة غيره ...
ومن لا يعرف حقيقته أو كنهه فلن يعرف أبداً غيره...
النقدُ لأجل الفهم...
والفهمُ لأجل الوعي ...
والوعيُ لأجل التغيير ...
والتغييرُ لأجل الغد...
وما الغدُ عنا ببعيد؛
فهل سننتبه؟
أم سنظلُ كما كنا؛ في سبات جماعي عميق؟
ودمتم بكل الحب والسلام.
ملاحظة: هذه المقالة كانت مداخلة سابقة لي بعنوان (لماذا ننقد؟) في موضوع (الخلافة الإسلامية في الخطاب الإسلامي المعاصر) والتي كانت من تأليف الزميل (شهاب الدمشقي) في منتدى اللادينيين العرب.
للإطلاع على الشريط كاملاً:
http://bua.deine-domain.cc/forum/viewtopic.php?f=28&t=2499