هل مات القرآن
اللغه إكتشاف إنساني أستخدم فيها نبرات صوته لكي يستخرج الفاظ و عبارات ذات دلالات عند المتلقـّي لتسهيل عملية التواصل معه... ونستطيع أن نصوّر اللغه بالكائن الحي الذي يمر بمراحل من النمو والحيويه والشيخوخه فالموت فتختفي مفردات وألفاظ وكلمات وتحل محلها اُخرى تختلف عنها لفظاً وشرحا وروحا .و كل تلك اللغات تتبدل وتتطور في إستمراريه لا تتوقف والغرض منها محاكاة عصرها ومفاهيمه , ولكل مرحله زمنيه لغتها الخاصه ...وتاريخ لغات الحضارات القديمه خير شاهد على هذا الامر .
القرآن الغريب :
لا أحد ينكر غربة القرآن في هذا الزمان , فهو غريب في الالفاظ وفي أسلوب التخاطب وفي غموض معاني ألفاظه وفي إختلال ترتيب أفكاره وفي تناقضه مع بعضه وفي تكراره المُسرف لنفسه في كثير من المواضع ...و الأكثر غرابه هو في تبنـّيه لمفاهيم ثابته جامده لا تعترف بالمتغيّرالسلوكي البشري والمرحلي الزمني المستمر والتطور الحتمي للمجتمعات والثقافات و القناعات .
المسلم الآن عندما يقرأ القرآن فهو يقرأ طلاسم لا يفقه منها شيئ , وهو معذور لأنه لم يتعوّد تلك اللغه في محيطه ولم يسمع أهله أو مجتمعه يتخاطبون بها , ما أدى إلى عزوف جماعي عن قرآءة القرآن, وهو امر طبيعي ومُتوقـّع بسبب إنعدام التجانس النفسي والمعرفي واللغوي بين القارئ والمقروء( القرآن) وفقدان الصله الروحيّه والرابط الزمني بينهما , وتلاشي المشاعر الوجدانيه وإنتفاء الفائده العقليه , زد عليها التكراريّه الممله في الأداء ...
القرآن وغير العربي :
لذلك نرى ظاهرة الكتب الرديفه المليونيّه للقرآن تفسـّره وتهذّبه وتشرحه وتترجمه , وهذا ليس بمستغرب لأن القرآن غير واضح حتى لمن نزل عليهم , وأنه جاء متشابهه ومُحكم وناسخ ومنسوخ وخاص وعام وباطن وظاهر ...ناهيك عن مجازاته وإستعاراته وتشبيهاته ....إلخ ...وأنه أيضاً جاء لِفئه من الناس ٍ( مخصوص) يعرفونه ويعرفهم وقد جاء منهم وإليهم وهم الهدف الوحيد في أسباب وجوده , أولئك القوم هم قريش , حتى أن عثمان بن عفان في مسألة جمع القرآن كان يقول لأصحابه : إن إستشكل عليكم لفظ فردّوه إلى لغة قريش فقد نزل القرآن فيهم .... ,
لقد أنزل إلـه محمد القرآن على قومه وخصّهم به ولكنه ألزم به سائر الأمم الأعاجم الذين لا يفقهونه ولا يعلمون منه حرفاً واحدا , وهذا أمر يسترعي الإنتباه والتوقف قليلا لكي نستوضح بعض النقاط التي قد تكون غابت عن الاغلبيه ,
تلك النقاط تقول :
1-إذا كان الهدف الرئيسي من نزول القرآن هو ( الإعجاز) – كما يقول أهل العلم - لإثبات مصداقية محمد على قومه وأنّه ( القرآن) قد نجح بالغرض الذي جاء من أجله وهو إفحام قوم محمد ( قريش) وتحدّيهم . نقول : إن كان القرآن قد نجح في مهمته المحدوده تلك , فقد بطلت الآن الحاجه للقرآن كحجّـه بعد أن هلكت قريش وتبدّلت اللغات واللهجات والقناعات , وأن مع زوال المـُسبب يبطل السبب ويزول , وأن نكتفي به على أنه كتاب تاريخ لا أكثر .
2- المسلمون ( الأعاجم) الغير ناطقين بالعربيه هم الغالبيه , وهذا الواقع , وبما أن من المستحيل عرّبنة ألسنتهم وأجبارهم على النطق بالعربيه وفهم معانيها ومترادفاتها ومجازها ونحوها وتصريفها وروحها ...إلخ , فما هي حاجتهم إذن لقرآن عربي ولماذا يُـجبرون على تلاوة القرآن بألسنتهم العجماء بطريقه كثيراً ما تـُثير الضحك , وما الهدف من تريددهم لكلام لا يفقهونه كالببغاوات ! وهل سيخشعون في قرآتهم لكلام لا يفهمون معناه , ونحن نعلم بأن الغايه من قرآءة القرآن هي شرط إستشعار الحكمه وإستحضار الخشوع وتدبّر المعاني !! ولا ننسى بأن القرآن نزل بلغة العرب وأختصّهم الله به كنوع من التشريف , فلماذا لم يمنن على الأعاجم بكتابٍ من لسانهم يكون ملحق للقرآن المهيمن ؟ بل العكس نرى فقد ألغى الله التوراة والانجيل المكتوبه بالسريانيه والعبريه لصالح العربيه , وفي هذا تمايز وتفضيل يجعل من المسلم غير العربي حزين ومنكسر لإحساسه بأن دينه ناقص .
3- ماهي الحكمه من قرآءة القرآن والمواضبه عليها ؟ لقد إستشعر المسلم العادي في بواطن نفسه أن قراءة القرآن مضيعه للوقت وهذر لا طائل من وراءه , هو يعلم بأن المسلمين جميعاً وهو منهم , لا يقرؤون القرآن إلا في المناسبات الدينيه أو في أداء طقوس العباده , وهو يعلم بأن بيته وسيارته ومكتبه يحتوون على نسخ من القرآن كنوع من أنواع الديكور أو الإدعاء بالتقى أو للتبرّك أو لمآرب اُخر , ولكنها قطعاً ليست للقرآءه , هو يعلم بأن قراءة القرآن لم تردع المجرم المسلم من إرتكاب جريمته , ولم تمنع المومس المسلمه من بغائها , لأنهم فقدوا الهويه المشتركه معه فتلاشى تأثيره على حياتهم , وتوالى ذلك الشعور حتى أصبح القرآن عباره عن رمز تاريخي , أو شعار لحقبه أنقرضت, أو أثر من الآثار وخبر من الأخبار . .
الخلاصه :
عندما يقول القرآن عن نفسه أنّه محفوظ من عند الله , فإنه ربما سوف يكون محفوظ في الأراشيف ومكتبات التاريخ لا أكثر , ولكنه قطعاً لن يبقى محفوظ في القلوب والعقول